اعلانات

banner image
banner image

علم من الكتاب | هل حث الاسلام على العلم ام تجاهله ؟


بسم الله الرحمن الرحيم


إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يستمد علمه من البيئة الجاهلية ولا النصرانية ولا اليهودية إنما كان يتلقاه من الوحي سواء كان قرآناً أم أحاديث قدسية أم عبادات مفروضة بالإضافة إلى كل ما حدث به الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم بالعقل كأخبار الآخرة ووصف الجنة والنار وغيرها أو ما أقره عليه الوحي من الأمور الاجتهادية.
فالمصدر الوحيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يتعلق بالعقيدة والعبادة والأحكام وآداب السلوك وقصص الأولين وقوانين الطبيعة هو الوحي ليس له مصدر سواه. ولذلك لما نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء.. حتى جاء الحق وهو في الغار فجاءه الملك فقال اقرأ قال: ما أنا بقارئ.. إلى أن قال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) العلق.
قال الإمام النسفي: (اقرأ وربك الأكرم): الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كريم ينعم على عباده النعم ويحلم عنهم فلا يعالجهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم النعمة وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم حيث قال: (علم الإنسان ما لم يعلم) فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة
وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة الله دليل إلا أمر (القلم والحظ) لكفى به» وقال ابن حجر: (اقرأ باسم ربك): أي لا تقرؤه بقوتك ولا معرفتك لكن بحول ربك وإعانته.
لقد بدأت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بأول وأعظم عنوان للعلم والمعرفة كتبه القدر الحكيم على أبرز لوحات التاريخ يوم أن قالت السماء لنموذج الرسالات الإلهية الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم. اقرأ هكذا مطلقة.. فهذا الطلب المطلق بهذه الصيغة (اقرأ) على ما احتفت به من أحوال مفاجأة الوحي وجوها صريح في تسجيل العنوان الأول لرسالة سيدنا محمد صلى عليه وسلم في لوحة الحياة بأخص خصائص خلودها وشمولها شمولاً كاملاً لا يفوته جيل من الناس
ولا زمن من الأزمان ولا مكان من الأمكنة، ولا يند عنه علم من العلوم التي عرفها البشر في منحدرات التطور الإنساني أو التي سيفتح إلى معرفتها سبل لا عهد للعقل الإنساني بها فيما مضى من السنين والأحقاب ولا تذهب عنه معرفة من المعارف التي كانت في ماضي الحياة أو التي ستكون في مستقبلها.
إن الإسلام حثَّ على العلم وكلف الناس به وأعطى العاملين عليه مكانة مرموقة، لأنه بالعلم تشرف الإنسان وأخذ مكانته على سائر المخلوقات. ومنبع العلم في الإسلام القرآن الكريم وسنة النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تلقّى علومه عن الله عز وجل (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) (النساء).
فأول ما نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس آيات جاءت تستفتح الدنيا بالعلم والقراءة ويكفي الإسلام فخراً أن باكورة نزوله بالقرآن والعلم كانت وسط عالم يسوده الجهل الأسود وفي بيئة جاهلية في عاداتها وتقاليدها.
وفي هذه الآيات الخمس انتظمت أركان العملية التعليمية الأساسية، فأساس التعليم وهو القراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) ووسيلة التعليم هي الكتاب والقلم (علَّم الإنسان ما لم يعلم) والالتزام بالتعلم تبدو واضحة من تكرار قوله تعالى: (اقرأ) واستفتاح العلم لا يكون إلا باسم الله ويؤكد الله تعالى جلال العلم حين يقسم بالقلم كرمز كلي للعلوم المتنوعة قال تعالى: (ن والقلم وما يسطرون) (القلم 1 ـ 2)،
وقد أغرى القرآن الكريم بالعلم لأنه الطريق الأمين وقال الله تعالى: (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك) (الحج: 54) وقرر أن العلم نعمة إلهية عليا في الحياة قال الله تعالى: (يرفع الله الذي آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة:11).
وقد فتح الإسلام للعلم باباً يدفع العقول إلى البحث المستمر والأمل في كشف المجهول قال تعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) (لقمان: 37) وقال تعالى: (وقل ربي زدني علماً) (طه: 114).
ومما يجب تسجيله في هذا المقام أن العلم في الإسلام دعوة إلهية وفريضة دينية شأنها شأن الصلاة والصيام والزكاة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». ولأهمية العلم أنشأ المسلمون المدارس في المساجد منذ تأسيسها فكانت دوراً للدراسة إلى جانب كونها دور عبادة وصلاة وعندما كثر الدارسون في زوايا المساجد وجدت الكتاتيب المستقلة عن المساجد ثم وجد التعليم الخاص بقصور الخلفاء ثم وجدت «حوانيت الوارقين» التي كانت أسواقاً للعلماء ومناظراتهم
ثم نشأت «مجالس الخلفاء» التي تحولت بها إلى قصور الخلفاء إلى ديوانيات يلتقي فيها العلماء على اختلاف تخصصاتهم ثم نشأت «المدارس النظامية» التي أسسها نظام الملك السلجوقي في بغداد ونيسابور وأصفهان والمدارس «المستنصرية» ببغداد والمدارس «النورية» بدمشق.
وللمسلمين السبق في تأسيس الجامعات وأولها «جامعة قرطبة» بالأندلس ثم «جامعة القرويين» بفاس ثم «جامعة الأزهر» بمصر. وكذا اهتم المسلمون بإنشاء المكتبات لخدمات العلم وتيسير الحصول عليه من هذه المكتبات: «بيت الحكمة» ببغداد و«المكتبة الحيدرية» بالنجف و«مكتبة بخارى» فقد شهد ياقوت الحموي بأنه لم ير مثلها قط في حياته.
وازدهرت المدن بازدهار العلم والعلماء حتى أصبحت بغداد عاصمة الدنيا موئل العلماء ومركز العظماء وغدت سمرقند مثابة المجد وكعبة الملك. فالإسلام دين قام منذ بزغ فجره على احترام العقل والدعوة إلى النظر والتفكير في الأنفس والآفاق، كما قام على رفض دعوى بدون برهان والإنكار على التبعية والتقليد وبهذه المباديء والتوجيهات الرائدة صنع الإسلام «المناخ النفسي والاجتماعي» لازدهار العلم وقيام حياة علمية مضيئة الجنبات.
قال تعالى: «إنما يخشى الله من عباده العلماء» فاطر: 28.
وتدل هذه الآية دلالة واضحة على ان العلم يرتقي بصاحبه إلى أعلى ذرى الإيمان بالله والخشية منه سبحانه وتعالى عندما ينكشف للعالم العاقل والمنصف المفكر قواعد سير النجوم في أفلاكها ودقة تركيب عظام البشرية في قواعدها وغرائب تأليف أعصاب العين والأذن وبقية الأعضاء واتصالها ببعضها وعندما يرى العالم تلك العلبة الصغيرة التي تمركز فيها مخ الإنسان مع عقله يخرج منها علوم الطائرات والصواريخ المحلقة في السماء
والبواخر والغواصات الماخرة عباب الماء عندما يرى علوم الكهرباء وتفتيت الذرة وغيرها تخرج كلها من تلك العلبة وهي «مخ الإنسان» عندما تنكشف للإنسان العالم هذه العجائب والغرائب لا يستطيع إلا ان يخضع ويخشع لعظمة الصانع الخالق والمهندس المبدع». فالحضارة والعلوم ومنشؤها تعاليم القرآن الكريم وفهم الإسلام كما درسه المسلمون الأوائل، وكما فهمه المؤمنون السابقون الذين قطفوا بفضل القرآن الكريم والإيمان أشهر ثمرات السعادة والكرامة في الحياة وحققوا للبشرية.
أسمى معاني العدالة الاجتماعية وأزالوا الفرقة بين الطبقات فأمن الناس في ظلال عدالة الإسلام على حياتهم وأموالهم وحقوقهم.
فالعلم يورث المسلم خشية الله عز وجل. وهو خلق كريم من أخلاق المؤمنين. وخشية الله تعالى تورث المؤمن حب الناس جميعاً وتحقيق العدالة والمساواة والأخوة فيما بينهم.
والعلم يجعل في المسلم كل خير من صفات نبيلة ومعاملة كريمة طيبة وبالتالي يقوده علمه إلى قوة الله عز وجل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين».
قال النووي: في الحديث فضيلة العلم والتفقه في الدين وسببه أنه قائد إلى تقوى الله.
وقال ابن حجر: مفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين ـ أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير.
وقال المناوي في فيض القدير (6/242): في الحديث شرف العلم وفضل العلماء وأن التفقه في الدين علامة حسن الخاتمة.
والعلم يدعو إلى التواضع وخفض الجناح ومن كان عنده علم ولم يكن عنده تواضع للآخرين واستعداد لأن يتعلم من جميع الناس فقد نفي عنه تعلم حقيقة العلم والاستفادة منه. قال مجاهد: «لا يتعلم العلم مستحي ولا متكبر».
سئل الإمام أحمد عن تصحيح النية في العلم ما هو؟ قال: ينوي التواضع وينفي عنه الجهل. فإن هذه ثمرة العلم».
قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم وتواضعوا لمن تعلمون منه وليتواضع لكم من تعلمون ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم عملكم بجهلكم».
وقال الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في روضة العقلاء ص 3335: «الواجب على العاقل إذا فرغ من إصلاح سريرته أن يثني بطلب العلم والمداومة عليه إذ لا وصول للمرء إلى صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه وحكم العاقل ألا يقصر في سلوك حالة توجب له بسط الملائكة أجنحتها رضى بصنيعه ذلك.
وقال الشعبي: «إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان العقل والنسك».
«قد كان الرجل يطلب العلم فلم يلبث ان يرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره ويده» وعن ابن مسعود رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم الخشية».
فالعلم يورث الأخلاق الفاضلة الطيبة وهو أداة خير لمن سلك سبيل القرآن الكريم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم. وهو وسيلة القرب إلى الله عز وجل ومعرفته عن طريق آثاره في الكون وآياته وهو نتيجة الإيمان بالله لأنه الدافع إلى الاستزادة من علوم الشرع وعلوم الحياة والكون.
وقد أكرم الله الإنسان بالعلم وبالقدرات التي أودعها فيه وخلقها له لتيسر له أمر العلم كله وتساعده على تحمل مسؤولياته في الحياة ورسالته في الكون: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) (النحل: 78).
كما أن العلم يدفع إلى حسن التوجه والعبادة ولذلك فضل الله الذين يعبدون بعلم على سواهم قال تعالى: (أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) (الزمر: 9).
وقد توعد الله عز وجل من يكتمون العلم ويوجهونه إلى غير ما أمرهم الله أن يوجه له من إثر الحياة وإخلاص العبادة وإحسان النية.
قال تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار) (البقرة: 174 - 571).
والعلم هو الذي يشرح القلب إلى ذكر الله والتعرف على آلائه وهو الذي يبعث في الأرواح عادة التأمل وشفافية الحس وخشية الله والخوف منه نتيجة التأمل في العلوم الكونية وقوانين الله في الحياة والموت قال تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) (فاطر: 27 ـ 28)
.


كتابة : رجاء علي

علم من الكتاب | هل حث الاسلام على العلم ام تجاهله ؟ علم من الكتاب | هل حث الاسلام على العلم ام تجاهله ؟ بواسطة motasemH فى 11:59 ص تقييم: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.